U3F1ZWV6ZTU1NDI3NTYwNTA2NzRfRnJlZTM0OTY4NDk4MDM0MjQ=

الجماعات الترابية بالمغرب


نشاة الجماعات الترابية بالمغرب

نشاة الجماعات الترابية بالمغرب



من الحقائق المسلمة أن الانسان كائن اجتماعي، ال يستطيع أن يعيش بمفرده وتدفعه غريزته
الفطرية إلى العيش في جماعة، فالفرد ال يستطيع أن يعيش إال مع غيره، ألنه عاجز بمفرده عن
الوفاء باحتياجاته، وإذا كان االجتماع االانساني ضروريا لإلنسان حتى يمكنه التعاون مع أبناء جنسه
لتحقيق الضرورات المالية لحياته وبقائه، فهو أيضا ضرورة نفسية، ألنه ال يمكن للنفس اإلنسانية
أن تحبس في عزلة تامة من جهة، ومن جهة أخرى بالنظر لمحدودية إمكانيات اإلنسان الذاتية،
ولمواجهة قوى الطبيعة، فانه مجبر على التعاون مع اآلخرين و بالتالي العيش معهم، بحيث نشأت
الجماعة في شكلها البدائي العشائري، حيث كان للعشيرة مجلس : Council وهو اجتماع
ديمقراطي يحضره جميع أفراد العشيرة الراشدين رجاال ونساء، ويتمتعون جميعا بحقوق متساوية
في التصويت. كان هذا المجلس هو الذي ينتخب الشيوخ و الرؤساء العسكريين، و “ حماة اإليمان “
الباقين كذلك ويخلعهم .وكان يبت في آمر الدية أو الثار للقتلى من أفراد العشيرة. و كان يتبنى
الغرباء في العشيرة. و باإليجاز، كان هذا المجلس هو السلطة العليا في العشيرة.
وبعدها ظهرت القبيلة حيث كانت تتكون من عشيرتين فأكثر ولها أيضا، مجلس قبلي للشؤون
العامة: كان يتألف من شيوخ العشائر و الرؤساء العسكريين كلهم الذين كانوا الممثلين الحقيقيين
للعشائر، ألنه كان من الممكن عزلهم في كل حين. كانت اجتماعات المجلس علنية; يحيط به
أعضاء القبيلة اآلخرون الذين كان يحق لهم المشاركة في المناقشة و اإلدالء بآرائهم، لكن المجلس
هو الذي كان يقرر.
وكان تنظيم عالقات القبيلة بالقبائل األخرى بصورة خاصة من مهام المجلس القبلي. كان يستقبل
السفراء و يوفدهم، ويعلن الحرب، ويعقد الصلح. وعندما تنشب الحرب كان ينهض بأعبائها
المتطوعون بالدرجة األولى. وكانت كل قبيلة، مبدئيا، في حالة حرب مع أية قبيلة أخرى إذا لم تكن
قد عقدت معها معاهدة سالم صريحة.
ومع تطور المجتمعات اإلنسانية و اتساع نشاطاتها و تنوعها، بدأت تظهر أنماط جديدة لإلدارة
المحلية، يكون على رأسها حكام و موظفون معينون من قبل السلطة المركزية، حيت ظلت
الحكومات المحلية مسؤولة عن كثير من الشؤون كالمحافظة على األمن، وتطبيق النظام المحلي. ثم
جاءت المرحلة الحديثة; مرحلة إحداث هيئات إدارية منتخبة من قبل الشعب في اإلقليم تسند لها
اختصاصات متفاوتة تختلف حسب السلطات الممنوحة لها من قبل السلطة المركزية، بحيث يحق 

للسلطات المحلية إصدار القرارات دون الرجوع إلى السلطة المركزية، لكن مع ضرورة العمل
تحت رقابة هذه األخيرة.
ونشأت الجماعات الترابية بالمغرب يمكن مقاربتها من خالل المرور بثالث مراحل: المرحلة
األولى تعود لفترة نظام المخزن ) المحور األول (، أما المرحلة الثانية، فترجع لفترة الحماية )
المحور الثاني ( والمرحلة الثالثة و األخيرة فهي فترة ما بعد االستقالل ) المحور الثالث. (
المحور األول: فترة نظام المخزن
يعتبر األستاذ “ عبد هللا العروي “، المخزن كأداة وراثية تهيمن على السلطة وتحتكرها عبر تراتبية
بيروقراطية; الوزراء، العلماء، األمناء، األعيان، القياد، االرستقراطية الحضرية و الريفية ،
الشرفاء، الجهاز العسكري، الحرس والخدم، وتتركز مهام المخزن، حسب “ جون واتربوري “، في
جمع الضرائب النقدية والعينية.
وتعود الجذور التاريخية للمشروع المخزني إلى الفترة الممتدة بين القرنين السادس عشر و السابع
عشر، كنظام للسلطة مستندا على المستوى الطبقي إلى التحالف بين البرجوازية التجارية في المدن،
و القواد الكبار قيد التشكل في البوادي، بإدماج أعيان القبائل التي ثم إخضاعها للنظام . واستند على
المستوى اإلديولوجي إلى مقولة الملكية حامية اإلسالم . وشكل العلماء في المدن و“ شرفاء “
الزوايا في البوادي بعد إخضاعها للنظام، الجهاز اإلديولوجي للمخزن. هذا النظام، بقيت سيطرته
مقتصرة على “ بالد المخزن ، حيث ظلت مجموعة من القبائل ال تخضع للسلطة المخزن ، تعرف
ب “ بالد السيبة “، رغم ذلك، ظلت القبائل المتمردة، تعترف للسلطان بنفوذه الديني، وترفض تأدية
الضرائب التي يفرضها عليها.

أولا : بلاد المخزن

تتكون البالد الخاضعة للسلطة المخزن، من المدن و القبائل “ قبائل الجيش “، المعفاة نسبيا من أداء
الضرائب، وتتمتع ببعض االمتيازات; كحق االنتفاع من األراضي الفالحية، وتشكل هذه القوات
المسلحة و الحاميات، وأشهرها; الشراردة ثم أوالد جامع والشراركة و المنابهة وأيمور وأوالد دليم،
وكانت الهيكلة السياسية واإلقليمية في هذه المرحلة تتكون من الخليفة السلطاني الذي كان يمثل “
العاهل “، في مجموعة من المدن و البوادي، ويشترط فيه أن يكون منتسبا لألسرة المالكة، أو من
أنجال الملك، وكان جميع قواد المناطق مسؤولين أمامه مبدئيا.
وتختلف طاعة القواد في درجتها فقد كان التعيين، شكليا، بالنسبة للبعض، كما انه خلق هذا إشكال ،
بالنسبة للسلطان في ما يتعلق بخضوعهم لتعليماته، وبالنسبة لطريقة تنصيب القواد، فكلما كان هناك
منصبا شاغرا، يتوجه أعيان القبيلة إلى المخزن، قصد الحصول على المنصب أو االتفاق على
الشخص الذي سيتولى المنصب الشاغر، وكان يمنح هذا المنصب إلى الذي يدفع أكثر قدر من 

المال، ومهمة القائد الوحيدة هي جمع الضرائب و يحتفظ على اثر ذلك بجزء من هذه الضرائب
التي يجبيها من منطقته.
أما في المدن فكان دور الباشا يوازي دور القائد لدى القبائل ويساعده عدد من المقدمين المكلفين
بإدارة أحياء المدن.

ثانيا : بلاد السيبة


تتكون من القبائل التي كانت تتمرد على سلطة المخزن، لرفضها، أداء الضرائب بسبب جور
حجمها، وتعد السيبة ظاهرة خاصة بالجبال و األراضي القاحلة و يتعلق األمر بمناطق وعرة تقطنها
قبائل متمردة، ومع ذلك فقد كان السلطان يمثل سلطة دينية يعترف بها الجميع . وهذا يرجع، إلى
كون المغرب منذ الفتح اإلسالمي، كان يطبق تعاليم الشريعة اإلسالمية، المجسدة في قواعد الفقه
العام اإلسالمي، إذ لم يعرف المغرب إذاك، قانونا إداريا مستقال ومنفصال، وبذلك فالسلطان
المنصب بواسطة البيعة يهيمن على كل السلطات الحكومية المركزية.
هذا ولم تكن هذه القبائل السائبة على سلطة المخزن، السلطوية، بل كانت تدبر شؤونها بكيفية
ديمقراطية، عن طريق مؤسسة “ اجماعة “، التي تتوفر على مجلس يضم نخبة القبيلة من األعيان،
يتولى هذا المجلس القيام بمهام حل الخالفات و المشاكل المتعلقة بتوزيع الماء و األرض ، والقيام
بالتحالفات، وإعالن الحرب، وإبرام الهدن. ينتدب هذا المجلس لمدة سنة، وبعدها يجدد، ويعتبر “
أمغار “ الجهاز التنفيذي لهذا المجلس، يتم اختياره من بين ذوي النفوذ الكبير وسط القبيلة و السمعة
الطبية.
ويعتبر األستاذ “ محمد الويز “ في كتابه، “ مقاربة سوسيولوجية إلشكال التنظيم الترابي بالمغرب
“، أنه ليس هناك، ما يمكن أن نسميه بالد السيبة، فكل ما هناك أن بعض القبائل رغم اعترافها
بالحكم المركزي بوصفه سلطة حاكمة، ولكن في نظرها ليس هنالك ما يبرر إغراقها بالضرائب و
البعض األخر من القبائل تنصاع ألوامر المركز، إما خوفا من سطوته، وإما قدرة على العطاء.
بالد المخزن = اإلعفاء من الضرائب = الحصيلة صفر.
بالد السيبة = رفض أداء الضرائب = الحصيلة صفر.
فالمقياس هو الرفض أو اإلعفاء، فان رفضت القبيلة أداء الضرائب، نظرا لعدم قدرتها على ذلك أو
عدم اتفاقها، سميت سائبة، ونفس القبيلة إن أعفيت من ذلك، لحاجة المخزن إليها، سميت غير سائبة

ويمكن الذهاب إلى قول “ جون واتربوي “، بكون السلطان كان يعتمد سياسة فرق وفقر تسد )
ريش طير ال يطير (، من اجل إرساء سلطته و التوسيع من دائرتها و الحفاظ على مستوى مداخله .
وهذا ما يدفع السلطان باستمرار إلى محاربة القبائل تارة، ومفاوضتها تارة، باللجوء إلى اإلغراء
المادي، بغية شراء السلم، وذلك حسب ميزان القوى السياسي و العسكري، المهم هو العمل على
الحيلولة دون توحد القبائل في مواجهتها للمخزن.
عموما فالمركزية هي القاعدة العامة التي تدبر بها شؤون المغاربة، فالدولة سلطانية، يعتبر في
إطارها الخليفة مصدر كل سلطة وصانع كل قرار ويعتبر فيها رجاالت المخزن أعوان السلطان
خدمه و مؤازروه.

المحور الثاني: فترة الحماية

من الصعب علينا الحديث عن جماعات محلية في مغرب ما قبل 1912 ، فالمركزية كانت القاعدة
العامة التي تدبر بها شؤون المغاربة، فالدولة دولة سلطانية: يعتبر في إطارها الخليفة مصدر كل
سلطة، وصانع كل قرار، ويعتبر فيها رجاالت أهل المخزن أعوان للسلطان وخدامه و مؤازروه
وأن تصادف ووجدت هنالك قبائل تسير نفسها بنفسها بمعزل عن هذه البنية، فهي تشكل واقعا
يفرض على المخزن، وعلى السلطان دونما إعتراف قانوني به، فالقبائل “ السائبة “ والحالة هاته
تجسد مجموعات سياسية – وليست إدارية – تقف ندا للند أمام السلطة المركزية، رغم اعترافها
بالسلطة الروحية الدينية للخليفة وستجد االمبريالية، في نظام المخزن الراغب في بسط سيطرته
على بالد “ السيبة “ الحليف الموضوعي الذي سيمكنها من استعمار البالد.
وفي الجانب األخر من العالم، كان الصراع على أشده بين الدول األوروبية على المغرب ، خاصة
فرنسا واسبانيا وانجلترا و ألمانيا، انتهى التنافس باتفاقية بين فرنسا وانجلترا في 8 ابريل 1904
تنازلت انجلترا بموجبه لفرنسا عن المغرب مقابل تنازل فرنسا لها عن مصر. وأمام التنازع بين
ألمانيا و اسبانيا وفرنسا كل يدعي أن له حقوقا في المغرب طلب المولى عبد العزيز عقد مؤتمر
دولي، وقد انعقد في الجزيرة الخضراء في 7 ابريل 1906 وشاركت فيه 13 دولة اتفقت على
تكليف فرنسا واسبانيا بتدريب أهالي البالد على حفظ األمن وتنظيم البوليس ، كما قررت تأسيس
بنك هو البنك المخزني، كل ذلك لحماية وتسهيل التجارة في المغرب و السماح لألوروبين بشراء
العقار فيه خاصة في أهم الموانئ العاملة يومئذ، أصيلة و القصر و ازمور، وفي نوفمبر 1911
عقدت اتفاقية بين فرنسا و ألمانيا تنازلت هذه األخيرة بدورها لفرنسا عن المغرب و اعترفت لها
بحرية التصرف وبموجب معاهدة سرية أبرمت بين اسبانيا وفرنسا في 27نوفمبر 1912 ،
تنازلت فرنسا السبانيا عن المنطقة الشمالية، على الرغم من أنها كانت تخضع رسميا لسيادة
السلطان باستثناء مدينتي سبتة و مليلية على أساس اعتبارهما جزءا من التراب االسباني وفي 30
مارس 1912 امضي المولى عبد الحفيظ على عقد الحماية مع وزير الخارجية الفرنسية السيد
رينيو، وتم تعيين الجنرال ليوطي مندوبا مقيما عاما لفرنسا بالمغرب. يتولى بموجب معاهدة 
الحماية، مهام وزير الخارجية، وزير الدفاع، والكاتب العام للحكومة ، وزير الوظيفة العمومية،
وزير الداخلية، والقائد العام للجيش.
يمارس هذه المهام بواسطة ثالثة مكاتب: المكتب المدني، المكتب العسكري، المكتب الدبلوماسي.
وقد أنشأت الحماية مصالح مختلفة لتدبير شؤون المغرب ومراقبة أعمال أرباب المخزن والعمال،
تلك المصالح مع اإلقامة العامة تسمى حكومة الحماية، وكلها تحت نظر المقيم العام بعدما كان جلها
بدار المخزن في ابتداء األمر، ثم انفصلت منها وسارت مستقلة تحت تصرف المقيم العام، وهي
المالية و األشغال العمومية و“البوسطة ”و العلوم والمعارف و األمالك المخزنية لقد دخلت فرنسا
إلى المغرب مبدئيا لحماية السلطان، لكن سرعان ما جردت إدارة الحماية المخزن من كل سلطة أو
حكم حقيقي، ولم تترك له إال بعض المهام التافهة. هذا ويمكن القول أن الفرنسيون ظلوا حريصون
ومنذ وصولهم رسميا الى المغرب1912 أشد الحرص على تغيير المناظر الجهوية السائدة قبل
مجيئهم و المرتبطة أساسا بأنماط العيش و المعطيات الجغرافية بل وتغيير العالقات التي كانت
سائدة بين الجهات و المناطق و تكسير شوكة القبائل “ السائبة “ ولذلك قسموا المغرب تقسيمات
كثيرة كان أولها تقسيم1913 وبعدها تقسيم 1923 فإعادة التقسيم لسنتي 1926 و 1935 ثم إعادة
التنظيم لسنة 1940 و أخيرا تعديل 1948 ونجم عن هذه التقسيمات 7 جهات 3 منها مدنية وهي :
الرباط ،الدار البيضاء ووجدة، و 4 منها عسكرية وهي: فاس ومكناس ومراكش وقيادة أكادير.
وتمارس الصالحيات السياسية و اإلدارية من طرف رئيس الجهة المدنية، في حين يوضع على
رأس الجهات العسكرية عميد عسكري وهو من يقوم بالتسيير اإلداري والسياسي وقيادة الوحدات
العسكرية الموجودة على التراب الجهوي.
وتعتبر الجهة منذ وصول الفرنسيين إلى المغرب تنظيما ترابيا حديثا لم يعرفه المغرب من قبل وقد
ثم العمل بها بحسب التعليمات العامة ليوم 4 غشت 1912 و الصادرة عن ليوطي المقيم العام
والقائد االعلى للجيش، لتتيح وحدها في بلد شاسع، حيث وسائل االتصال كانت ولفترات شاقة،
العمل المباشر و الفعال وعلى المستوى المحلي قسم كل إقليم إلى دوائر حضرية وقروية يرأس كل
منها موظف مغربي “ الباشا “ في الدوائر الحضرية و“ القائد “ في الدوائر القروية.
أما المنطقة الشمالية الخاضعة لإلسبانيا فعلى المستوى المركزي كان يشرف على المنطقة مندوبا
سامي بجانب خليفة يعينه السلطان باقتراح من الحكومة االسبانية، وخضعت مدينة طنجة لنظام
دولي ابتداء من سنة 1923 وكان يمثل السلطان بها مندوب مغربي وعلى المستوى المحلي
بالمناطق الخاضعة للنفوذ االسباني، كان القنصل االسباني يشرف على المدن التي يحكمها
الباشوات، كما كان الضابط العسكري االسباني يشرف على البوادي التي يرأسها القواد.
وكانت الوضعية اإلدارية بالنسبة لمدينة طنجة على الشكل التالي:
المندوب السلطاني: يمثل السلطان المغربي، يحرص على احترام المغاربة للنظام الدولي، يترأس
المجلس التشريعي دون ان يكون له حق التصويت.
المجلس التشريعي: يتكون من 18 نائبا أجنبيا و 6 مغاربة مسلمين و 3 مغاربة يهود ويختص
المجلس التشريعي في سن القوانين التنظيمية.
المدير: يتولى المنصب لمدة 6 سنوات يعينه المجلس التشريعي.
الدرك: ينقسم إلى مشاة و خيالة يهتم بالشؤون األمنية.
لجنة المراقبة: تتكون من 13 قنصل للدول الموقعة على مؤتمر الجزيرة الخضراء وتجتمع مرتين
في الشهر.
محكمة مختلطة: تتكون من 7 قضاة تفصل في النزاعات الجنائية و المدنية و التجارية.
إجماال، يمكن القول أن الجماعات الترابية خالل هذه الفترة اتخذت طابعا مؤسساتيا في إطار الهيكلة
اإلدارية للتراب المغربي وفق منظور استعماري، حيث شكلت الحماية حدثا سياسيا وقانونيا في بنية
التنظيم المحلي في مجاليه الحضري والقروي بواسطة النصوص و اإلجراءات القانونية المعتمدة،
والتي تميزت بمرحلية تاريخية وتعدد في األنماط التنظيمية.
إال أن الشروط السياسية و اإلدارية في عهد الحماية أبقت من الناحية األولية على الخصائص
السياسية للنظام المركزي – سواء من المحلي أو الوطني –، مما أفضى في آخر المطاف إلى إيجاد
هياكل إدارية مفروضة وموجهة من قبل السلطات المركزية وغير متفاعلة و مرفوضة من قبل
السكان، فكل اإلصالحات المتخذة خالل هذه الفترة لم تكن تهدف إلى توزيع أولويات السلطة
المركزية، بل كانت محكومة بالتوجه المركزي في تدبير الشؤون المحلية، فالهيئات الحضرية و
القروية كانت منظمة وفق ضرورات األمن و المراقبة و اإلشراف و اإلدارة المباشرة، أما التنظيم
الجماعي التقليدي قد ضعف بسبب التغيرات التي أحدثها المستعمر ، حيث أصبحت كل الجماعات و
البلديات تسير وفق أنظمة “ حمائية “ وطبقا لظهائر أصدرتها السلطات الفرنسية، إذ أصبحت كل
اإلدارات تعيش تحت تسيير ازدواجي : الموظفون المغاربة من جهة و الموظفون الفرنسيين، ويبقى
دور االستشارة للمغاربة الذين تحولوا إلى آلة “ تشرعن “ كل سلوك قامت به السلطات الفرنسية،
وتضمن نجاح كل قرار صدر عنها. وهذا يمكن عن ثنائية األمر و المأمور وظلت الجماعات
المحلية أو المراكز المحلية رغم إحداثها ال تتوفر على االستقالل المالي واإلداري، هذا العامل
جعلها تعيش في حالة من التبعية، هذا باإلضافة إلى كونها لم تحافظ على نمط االنتخاب الذي كانت
تشهده بالد ”السيبة “ وجعل التعيين هو القاعدة الثابتة من اجل تحكم المستعمر في هذه الوحدات
الترابية خدمة لمصالحه السياسية و االقتصادية والعسكرية.
المحورالثالث: فترة ما بعد االستقالل
إن اعتماد سلطة الحماية على ترسيخ جهاز إداري جديد إلى جانب إدارة المخزن و استثمار األعيان
وبعض العلماء وشيوخ الزوايا في توسيع مجال سيطرتها ستكون نتيجته كما يقول عبد هللا العروي
هو أن مغرب ما بعد االستعمار سيجد نفسه ضمن جهاز مخزني عتيق يعج بحاشية من أعيان
القصر و الشخصيات الدينية، يتعايش مع جهاز إداري عصري ال يعرف احد من المغاربة كيفية
تسييره باستثناء الفرنسيين بطبيعة الحال فكل ما أحدثته الحماية من بنية تحتية بقي في العمق كيانا
خارجيا، غريبا مفروضا على شعب محافظ، ولم تبذل السلطات الفرنسية أي مجهود لمساعدة
المغاربة من اجل اإلسهام في الهياكل الجديدة، وفتح مجال المشاركة و الممارسة في ذلك أما في
الجانب األخر الذي كان خاضع للسلطات االسبانية فالحصيلة كانت ضعيفة مقارنة مع منطقة
الحماية الفرنسية، فباستثناء بعض األنشطة االقتصادية المهمة ) استغالل المعادن و تصديرها (، لم
تستفد منطقة الريف إال قليال مقارنة مع ما جنته اسبانيا.
فعلى مستوى البنية التحتية، لم تعمل اسبانيا إال على انجاز ”230 كلم من السكك الحديدية، وتم بناء
17 كلم لنقل معدن الحديد من الريف الشرقي نحو مليلية المحتلة “، وتم بناء حوالي 2424 كلم من
الطرق، لم تزفت منها اال 362 كلم، مما انعكس بشكل سلبي على عملية التنقل داخل الريف، بحيث
نجد سيارة واحدة لكل 400 نسمة في منطقة الحماية االسبانية، مقابل سيارة واحدة لكل 30 نسمة
في منطقة الحماية الفرنسية.
ويرجع ذلك إلى المقاومة الباسلة المزيان و الخطابي بالمنطقة، األمر الذي جعل اإلسبان ينفقون
على الجانب العسكري، اكثر منه على الجانب االصالحي. ويؤكد القوة العسكرية للمقاومة المغربية
بالريف “ ادغارفور “ في مذكراته، حيث يقول : لقد كلفتنا حرب الريف سنة 1926 استنفار
325000 جندي بينما لم يكن يتوفر لعبد الكريم اال فرقة واحدة من قبيلة بني ازناسن يبلغ تعداد
أفرادها حوالي 75000 رجل; المسلحون منهم 20000 رجل . وقد كان لدينا على خط النار 32
فرقة عسكرية و 44 سربا على راسها و 60 جنيراال بقيادة الجينرال بيتان وللعلم فان هذا الجيش
الفرنسي هو الذي خرج منتصرا من الحرب العظمى 1914 – 1918 كما أن هذا الجيش يعد
مدرسة في الجندية، هذا وقد دعمه أربعة أخماس من السكان المغاربة الذين قدموا 400000 جندي
إضافي.
ولم يستعد المغرب سيادته الترابية إال تدريجيا وجزئيا: إذا استرجع الوسط “ الفرنسي “، والشمال “
االسباني “، و “ طنجة الدولية “، في مارس، أبريل و أكتوبر 1956 على التوالي ، وطرفاية سنة
1957 ،وإفني سنة 1969 ،و الساقية الحمراء سنة 1975 ،ووادي الذهب سنة 1979 …
واليوم، بينما لم يتم االعتراف دوليا باسترجاع هذين اإلقليمين األخيرين، ما تزال هناك “ أجزاء
صغيرة “ محتلة، أال وهي مدينتا سبتة ومليلية، وجزر مختلفة بالبحر األبيض المتوسط. وفضال عن
ذلك، إذا كان المجال الترابي يتحدد في األرض، فالتحرر من االستعمار يعني بالدرجة األولى 
استرجاع األرض. والحال، أن المغرب تميز كذلك على هذا المستوى; إذ إن التحرر من االستعمار
لم يغير شيئا في وضعية المعمرين األجانب الذين سيحتفظون باألراضي التي استولوا عليها طيلة
فترة تعدت خمسة عشر سنة بعد استقالله ... وهذه األراضي، التي سيظل “ نظامها “ إلى يومنا هذا
”مفتوحا “، ستشكل المجال المفضل لتمفصل تحالفات جديدة، وللحكم الجديد الذي ثبت منذئذ سلطته
وما يزال . هذا وانصرف اهتمام المملكة المغربية منذ خروج المستعمر إلى بناء وتنظيم اإلدارة
المحلية، حيث قامت الدولة بإدخال العديد من اإلصالحات الرامية إلى تكريس سياسة الالمركزية و
تثبيت دعائم الديمقراطية المحلية، وقد تميز الخطاب الشائع منذ بداية االستقالل بتساؤل كبير حول
الدور الذي سيلعبه المواطن عن طريق الجماعة المحلية التي ينتمي إليها، فوقع تبني مجموعة من
األسس و المنطلقات منها:
اعتبار الجماعة المحلية النواة األساسية لبناء الديمقراطية في البالد وخاصة في الوسط القروي الذي
كان إبان الحماية يعيش تحت وطأة اإلهمال و التهميش.
تطوير النظرة إلى الجماعة من اإلطار القبلي و الحدود االجتماعية و الساللية إلى اإلطار الجغرافي
و الحدود الترابية و المقومات الطبيعية و االقتصادية.
تمتع الجماعة المحلية بقدر من الصالحيات و السلطة التقديرية و االستقالل في التسيير و التنظيم.
االهتمام بتوعية المواطنين و تربيتهم سياسيا ليقوموا بأدوارهم االجتماعية، و االقتصادية و الثقافية
و التنموية.
الحرص على تلبية حاجات المواطنين األساسية، في إطار من المساواة وتكافؤ الفرص، لتحقيق
األمنية التاريخية التي كانت الحافز الرئيسي للحركة الوطنية إبان الحماية.
وعموما شهدت هذه الفترة صراع مريرا بين القصر والحركة الوطنية: على المستوى السياسي،
حول المسالة الدستورية، فكانت الحكومات تتعاقب، تشكل ثم تحل دون الخضوع ألية قاعدة
مستقرة، كانت األحزاب السياسية الحقيقية أو المزورة توضع في مستوى واحد، وكان المبرر الذي
يلتجئ إليه لتعليل فقدان المقاييس هو أن الجهود يجب أن تتضافر لمواجهة كبريات القضايا الوطنية،
وأنه لم يحن بعد موعد الديمقراطية..؟
أما على المستوى اإلداري، فينبغي استحضار ظهير 2 دجنبر 1959 بشان التقسيم اإلداري
للمملكة، و الذي تم بموجبه رسم حدود عماالت وأقاليم المملكة، وكانت الغاية درء خطر قد يتهدد
مواقف المؤسسة الملكية، باختيارها لعناصر قدمت خدمات للحماية وتعينها في مناصب حساسة.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة

"